تشير فلسفة المنهاج إلى المعتقدات والحجج والافتراضات التي يتمّ تبنّيها والإستناد عليها لبناء المنهاج الذي من خلاله يبنى الفرد والمجتمع. فلكلّ فلسفة معيّنة اهدافها التي لا تتحقّق الّا من خلال اعتماد نظريّات تعلّميّة معيّنة تحدّد معايير و مؤشّرات عمليّة التعلّم و دور المتعلّم و المعلّم و المدرسة و المجتمع. فإن سؤال “أي نوع من المواطنين نحاول بناءهم؟” هو نقطة البداية لفلسفة المنهاج المعتمد. نستنتج من قراءة الأدبيات بأن هناك أربعة فلسفات تربويّة رئيسية للمناهج: المذهب الدائم ، والجوهرية ، والتقدمية وإعادة البناء . تعتبر الفلسفات التربوية التقليدية المذهب الدائم والجوهرية. بينما تعتبر الفلسفات التربوية الحديثة التقدمية وإعادة البناء.
بالنسبة لفلسفة المذهب الدائم ، انّ غرض المنهاج الأساسي هو مساعدة المتعلّمين على اكتساب المعرفة المتراكمة في التخصّصات الأكاديمية. مناصروا هذه الفلسفة يعتقدون أن التعليم هو نفسه للجميع، و يعتمد على حقائق ثابتة، حيث يجب على المنهج المعتمد أن ينقل المعرفة الفكرية و ينمي العقل البشري.
بينما تؤكد الفلسفة الجوهرية على أن الهدف الأسمى للمنهاج هو نقل الخبرة الجماعية والمعرفة والتراث الثقافي إلى الجيل القادم. إنها حركة فلسفية محافظة وكانت الفلسفة الأكثر قبولًا والأطول ممارسة في العالم. يعتقد مناصروا هذه الفلسفة أن الغرض الأساسي من التعليم هو تلبية احتياجات المجتمع بكفاءة من خلال تدريب المتعلّمين على المهارات والإجراءات كي يصبحوا أعضاء مساهمين في المجتمع بالطريقة التي يحدّدها لهم صانعي المناهج.
ظهرت الفلسفة التقدمية كرد فعل على الجوهرية حيث تعتبر بأنه من غير الممكن ان يكون هناك أفكار ثابتة ودائمة بل متغيّرة من خلال التجربة حيث يستطيع الفرد اعادة بناء المعرفة نتيجة ما يختبره. أن الهدف الأساسي من التعليم هو نمو الأفراد، كلّ بوتيرته الخاصّة في انسجام مع سماته الفكرية والاجتماعية والعاطفية والجسدية الفريدة، على أن تكون المدرسة مكانًا ممتعًا ، يتطوّر فيها المتعلّم و ينمو وفقًا لطبيعته الفطرية. يسعى التعليم التقدمي إلى تعزيز الديمقراطيّة في البيئة المدرسيّة وكذلك في الحياة الاجتماعية. يتميّز المنهاج، وفقًا لهذه الفلسفة، بالمرونة و المراعاة للفروقات الفرديّة واستراتيجيّات التعلّم النشط.
ان إعادة البناء هي فلسفة متابعة للتقدمية تشاركها جميع وجهات نظرها تقريبًا و لكن تتمسّك بالمقاربة الأنثروبولوجية-الاجتماعية التي من شأنها أن تضع المدارس أمام مسوليّة إعادة بناء المجتمع. تطورت فلسفة إعادة البناء من منظور نقدي لعمل التقدميين الذين ركزوا كثيرًا على احتياجات الطفل ، وأحيانًا على حساب الاحتياجات المجتمعية. تتمثل أهداف المنهاج، بحسب هذه الفلسفة، في تحسين وإعادة بناء المجتمع والتغيير والإصلاح الاجتماعي. وبالتالي ، أصبحت دراسة المشكلات الاجتماعية المعاصرة محور المحتوى. أنّ مناصري فلسفة إعادة البناء يدركون المشاكل التي يعاني منها المجتمع، والظلم الذي يتعرض له ابنائه كتلك الناشئة عن عدم المساواة العرقية والجندرية والاجتماعية والاقتصادية. فهم يفترضون أن الغرض من التعليم هو تسهيل بناء مجتمع جديد وأكثر عدالة يوفر أقصى قدر من الرضا لجميع أبنائه. يتم تخطيط منهج إعادة البناء لمساعدة المتعلّمين على اكتساب المهارات والمعارف و القيم التي تؤهلهم كي يصبحوا قادرين على تقييم السياق العام و استدراك المشكلات و ابتكار و تطبيق الحلول لتحسين حياة الناس وتعزيز العدالة الإجتماعيّة والإستدامة في المجتمعات.
من خلال ما قرأناه في الإطار المرجعي، و تحديدًا في ما يخص رؤية التطوير و سمات المتعلم و المجتمع و المدرسة، انّ ما تمّ تبنيّه من الفلسفات لبناء المنهج ليس واضحا” ، ولكن يمكننا القول بأن هناك شبه تبنّي للفلسفة الجوهريّة حيث نستشفّ من قراءتنا بأنه قد تمّ تسليط الضوء على حاجات المجتمع بيئيًّا و اقتصاديًّا و العمل على “ربط التطويرات المتوخّاة في القطاع التربوي بتلك المتعلّقة بإنماء المجتمع اللبناني و تنمية اقتصاده في المستقبل”. و هنا يكمن التساؤل: كيف يتمكّن المتعلّم من تلبية حاجات المجتمع اذا لم تُلبَّ حاجاته التعلّميّة بالإنسجام مع سماته الفكرية والاجتماعية والعاطفية والجسدية و خاصّةً في ظلّ ما نختبره من فاقد تعليمي لدى المتعلمين من جرّاء الجائحة و التدهور الإقتصادي؟ وهل يمكن إنماء المجتمع اللبناني من خلال تحديد حاجات المجتمع و تلبيتها فقط أم علينا بإعادة بنائه؟ ألم يحن الوقت لتجهيز الشباب اللبناني بالقيم اللازمة والإستثمار في ابداعه و مهاراته القياديّة ليبتكر و يبني هذا المجتمع من جديد؟! ألم نكتفي من تطبيعه بمناهج تحدّد ما يحتاج المجتمع من وجهة نظرها؟!
فمن هذا المنطلق ولضمان منهاج متكامل لا بدّ من تحديد مظلّة فلسفيّة واضحة تتناسب مع واقع المجتمع اللبناني الذي يحتاج الى اعادة بناء حيث يصبح مختبرًا للمتعلّم الباحث الذي يتمتّع بدراية جيّدة وبفهم أعمق للمعايير والقيم المستدامة والمفكّر النقدي والمبتكر والقائد القيمي والمخطّط الإستراتيجي النظمي و المناصر للقضايا المحقّة.و تكون المدرسة مسرحاً لديمقراطيّته يمارس فيها حقوقه وواجباته في بيئة قائمة على الحوكمة الرشيدة والعدالة الإجتماعيّة. و يكون المعلّم نموذجًا ميسّرًا مؤمنًا بقدرات تلاميذه مهما اختلفت و تيرة التعلّم لديهم.